بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبيه الأمين.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات الفضليات والسادة الأفاضل،
الحضور الكرام،
1- يسعدني بداية أن أجدد أحر الترحيب بكم جميعاً، وأن أنقل إليكم تحيات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وتمنياته بالنجاح لأشغال اجتماعنا.
2- كما أثمن عالياً التئام الدورة العشرين لآلية التعاون والتشاور هذه التي أثبتت على مرِّ الأعوام نجاعتها وفعاليتها في خدمة علاقات التعاون بين بلداننا. وما أحوج عالمنا اليوم لآليات كهذه، وهو عرضة للانشقاقات والصدامات والصراعات.
3- نحن بالفعل أحوج ما نكون إلى هذه الآلية التي تقوم على قيم الحوار وتبادل الآراء واحتكاك الأفكار، تلك القيم التي طالما رافع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من أجل إعلائها وترقيتها وتوظيفها كأدوات نموذجية تكرس التضامن والتعاون والترابط في مواجهة التحديات الراهنة، محليةً كانت، أو إقليمية، أو دولية.
4- إن سر هذه العلاقة المتميزة التي تجمع بين دولنا الافريقية ودول شمال أوروبا يكمن في التزامنا المشترك والأكيد بالقيم والمبادئ والمثل التي قامت عليها ومن أجلها منظمة الأمم المتحدة، وعلى رأسها السعي لترقية علاقات ودية بين الأمم في ظل المساواة السيادية والاحترام المتبادل والثقة المتقاسمة، وإعلاء القانون الدولي في التفاعل والتبادل بين الدول، وتكريس حق الشعوب في تقرير مصيرها، والمساهمة في حل الأزمات والنزاعات بالطرق السلمية.
5- ومن هذا المنظور، أود أن أنتهز هذه السانحة لأذكر ولأشيد بالمواقف التاريخية المشرفة لدول شمال أوروبا التي دافعت عن حق الشعوب الافريقية المضطهدة في تقرير مصيرها والتي تضامنت مع الحركات التحررية في إفريقيا للتخلص من نير الاستعمار والتمييز العنصري والاحتلال الأجنبي لأراضي الغير.
6- وبِذِكر الاحتلال الأجنبي، يحضر إلى الأذهان، رغم أنه لا يغيب عنها البتة، الوضع المأساوي الذي يعيشه أشقاؤنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في قطاع غزة المحاصر والمقصوف على مرأى ومسمع الجميع دون أدنى اعتبار لأبسط القواعد الإنسانية والأعراف والقوانين الدولية. إن الجزائر التي تجدد تضامنها التام مع الأشقاء الفلسطينيين، تدعو المجتمع الدولي إلى هبة مستعجلة لنجدة المستضعفين والمقهورين والمضطهدين ووضع حد لهذا العدوان والعمل على إحياء مسار السلام لتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
7- كما تدعو بلادي لتفادي التنكر للحقائق الدامغة الماثلة أمام المجموعة الدولية:
– الحقيقة الدامغة الأولى: أن في فلسطين احتلالاً.
– والحقيقة الدامغة الثانية: أن في فلسطين حقوقاً مشروعة لا يمكن أن تضيع أو تذهب سدى.
– والحقيقة الدامغة الثالثة: أن في فلسطين شعباً يطالب بحقوقه الوطنية المشروعة طبقاً لما أقرته الشرعية الدولية لصالحه بصفة واضحة وثابتة لا تقبل الـتأويل ولا تقبل التملص ولا تقبل الإنكار.
8- وفي السياق ذاته، تؤكد الجزائر دعمها للشعب الصحراوي الشقيق وهو يتمسك بحقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير وإنهاء احتلال أراضيه وتصفية الاستعمار نهائياً في قارتنا، قارتنا التي يعاني ساحلها من رواسب الفقر واللاأمن واللااستقرار جراء التغييرات غير الدستورية والتي لا يقلل حجمها من إرادة بلادي في الاسهام في تجاوزها بالطرق التي تخدم مصلحة المنطقة خاصة، ومصلحة القارة عامة.
أصحاب المعالي والسعادة،
9- إن اجتماعنا اليوم يترجم تطلعاتنا المشتركة نحو مد جسور التعاون والتضامن في مواجهة التحديات المتصاعدة والتهديدات المستفحلة التي يشهدها عالمنا في المرحلة الراهنة وسط حالة مقلقة من الانقسام الحاد والتوتر المتزايد والاستقطاب المتفاقم.
10- نحن اليوم أمام مشهد دولي واقليمي قاتم بأتم معنى الكلمة، مشهدٌ تتجلى ملامحه وعناوينه الكبرى في تراكم النزاعات المسلحة، وفي تعقد الأزمة المناخية العالمية، وفي تكاثر التهديدات الارهابية العابرة للحدود والأوطان، وفي اتساع الهوة التنموية بين الدول الفقيرة والدول الغنية، وفي تفاقم الأوبئة والكوارث الطبيعية.
11- إن هذا المشهد، على صعوبته وتعقيده وخطورته، لا يمكن أن يحرمنا بأي حال من الأحوال من الأمل في غد أفضل، ولا يجب أن يثنينا بأي شكل من الأشكال عن العمل من أجل مستقبل أجزل يضمن الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء للجميع دون تفضيل أو تمييز أو إقصاء.
12- وفي سبيل ذلك، قناعتنا تبقى راسخة من أنه لا بديل عن التعاون الدولي وعن العمل ضمن الأطر والآليات متعددة الأطراف لبلورة حلول شاملة وتشاركية تسترشد أولاً وآخراً بمبدأ وحدة المصير، وحدة مصير الإنسانية أمام التحديات والتهديدات الماثلة أمامها.
13- وبذات القدر، تبقى قناعتنا راسخة من أنه لا مناص من إصلاح المنظومة الدولية، لإنهاء تهميش الدول النامية، وعلى رأسها الدول الافريقية، في صنع القرار الدولي، بشكل يضمن تأسيس وقيام علاقات دولية متوازنة اقتصادياً وسياسياً، علاقات ترضى بها وتطمئن وترتاح لها البشرية جمعاء.
أصحاب المعالي والسعادة،
14- لقد عانت القارة الافريقية كثيراً، ولا تزال، من ويلات النزاعات والاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية، وهي اليوم تحاول بكل عزم وإصرار إسماع صوتها وشق طريقها نحو الاستقرار والتكامل والاندماج، بتركيز جهودها على ثنائية الأمن والتنمية.
15- في هذا الإطار، وعلى الرغم مما يعترض مسارها من تحديات متعددة الأبعاد ترمي بثقلها على جميع مناحي الحياة، إلاّ أن قارتنا تواصل جهودها ومساعيها للكشف عن معالم وجهها الحقيقي، البعيد كل البعد عن الصورة النمطية المراد تسويقها عنها وإلصاقها بها.
16- فمن خلال تفعيل أهم المشاريع الرائدة للأجندة 2063، وبالخصوص منطقة التجارة الحرة القارية، يمكن القول بكل ثقة أن قارتنا بدأت تكشف عن وجهها الحقيقي، وجه إفريقيا الآمال المتجددة، وجه إفريقيا الفرص الأكيدة، ووجه إفريقيا المستقبل الواعد.
17- وإن كانت قارتنا تواصل تعبئة طاقاتها وحشد سواعد أبنائها لبلورة وتجسيد حلول من ابتكارها، ومن صنعها، ومن تنفيذها، فإنها تسعى كذلك لإقامة شراكات متوازنة، شراكات تصون مصالحها، وشراكات تحفظ أولوياتها، وشراكات تحترم خياراتها وأهدافها الاستراتيجية.
18- ولذا، فإننا ننتظر الكثير من هذه العلاقة المتميزة ومن هذه الشراكة الواعدة بين الكتلتين الافريقية والشمال أوروبية، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون من أجل تفعيل العلاقة الترابطية الوثيقة بين التنمية والأمن، لضمان استجابة مستدامة للتحديات الأمنية التي تواجهها دول القارة، ولكسب رهانات التنمية الاقتصادية، والطمأنينة الاجتماعية، وتحقيق الرؤية الطموحة التي تم تضمينها في الأجندة القارية.
19- ولا شك أن دورتنا هذه، وما تحمله من مواضيع هامة، ستسمح بتحديد أولويات التعاون بين دولنا الافريقية ودول شمال أوروبا، وبالخصوص فيما يتعلق بترقية أهداف السلم والأمن، وتعزيز القدرات لتشجيع التنمية الاقتصادية، وكذا تكثيف التنسيق السياسي في المحفل الأممي الذي نتشارك الانتماء إليه ونتبادل الالتزام بالعمل على إحياء دوره الرئيسي كمنارة تنير درب الإنسانية في هذه الظروف العصيبة.
20- وأكثر من هذا كله، أعتقد أن موضوع التعليم والشباب في إفريقيا، والذي يحظى باهتمام كبير على جدول أعمالنا، يكتسي أهمية خاصة واستثنائية تمليها، من جهة، مكانة الشباب في قارتنا وهو الذي يمثل أكثر من 60% من سكان إفريقيا، ومن جهة أخرى، أهمية التعليم والتكوين لتمكين شبابنا من الابتكار والابداع والاضطلاع بالدور المنوط بهم كقوة وكقاطرة نمو وتقدم القارة الإفريقية.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكرام،
21- لا يسعني في ختام كلمتي هذه، إلا أن أجدد الترحيب بكم جميعاً وأعرب عن تطلعنا للنقاشات المبرمجة اليوم وغداً في إطار هذه الدورة التي نتمنى أن تكلل بالنجاح وأن تسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون والشراكة بين الدول الافريقية ودول شمال أوروبا، بناءً على ما يجمعنا من إرث تاريخي مشترك زاخر بالقيم والمبادئ والمثل التي تُوَحِّدُ أهدافنا ومساعينا من أجل مستقبل أفضل لبلداننا وشعوبنا في القارتين الافريقية والأوروبية ولسائر البشرية.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.